تمكين المرأة في الإمارات.. قصة مشرقة ونموذج مشرّف
على خُطى الوالد المؤسّس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- الذي وضع اللبنات الأولى لتمكين المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقال: «لا شيء يمكن أن يُسعدِني أكثر من رؤية المرأة وهي تحتلّ موقعها المتميّز في المجتمع، ويجب ألا يعوق أي شيء تقدّمها»، كان توجه القيادة الحكيمة منذ قيام دولة الإمارات حتى اليوم، واضعةً نُصب عينيها دعم المرأة الإماراتية، وتعزيز دورها وجهودها الخلاقة في بناء الوطن، والمشاركة الفاعلة في التنمية الاقتصاديّة.
واليوم نحتفل بيوم المرأة الإماراتية، الذي يشهد على الإنجازات التي حقّقتها دولة الإمارات بتمكينها للمرأة، وهذه المسيرة بدأتها الدولة بتشجيع المرأة على التعليم، وتوفير الدعم اللازم لها من القيادة والمؤسسات المحلية والاتحادية، لاستكمال مسيرتها التعليمية التي كانت النافذة التي دخلت منها إلى ميادين العمل كافةً، فكانت الداعمة والمؤثرة والقائدة، فضلاً عن دورها المحوري داخل المنزل وفي تربية الأجيال. ويمثل شعار يوم المرأة الإماراتية «واقع ملهم.. مستقبل مستدام» اختصاراً لقصة نجاح تمكين المرأة لتكون نموذجاً يُحتذى به في العالم. فما الملهم في واقعنا اليوم في مجال تمكين المرأة الذي رعته الدولة؟ دعونا نتأمل معاً ما أُنجز منذ بداية الاتحاد.
عُدّ 27 أغسطس 1975 علامة فارقة في مسيرة المرأة الإماراتية، إذ فيه أُسّس الاتحاد النسائي العام برئاسة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، وأصبح الجهة المسؤولة عن تمكين المرأة، ومختصّاً بتنظيم جهود الجمعيات النسائية في الدولة، ما يحقق مصلحة المرأة، ويضعها في مكانة مرموقة، وفي مصاف متقدمة، لتكون محركاً أساسيّاً في ميدانَي التعليم والصحّة، والمجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وتعزيزاً لمشاركتها في اتخاذ القرار.
وعلى مدى السنوات الماضية شهدت مسيرة المرأة الإماراتية تحوُّلات جذريّة جعلتها رقماً مؤثراً في رحلة التنمية الشاملة التي تشهدها الدولة، ما مكّنها في وقت وجيز من تحقيق قفزات كبرى وأرقام صاعدة في التأثير والقيادة. وبفضل تكامل الجهود مع توجُّهات الحكومة الرشيدة، وبدعم من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رائدة العمل النسائي، استطاعت المرأة الإماراتيّة إكمال مسيرتها شريكاً حقيقيّاً ورئيسيّاً في تطوير المجتمع وتنميته، وأثبتت أنها قائدة فذّة تتحمّل مسؤولياتها بكل اقتدار.
ولم تتوقف المرأة الإماراتيّة عند ذلك، بل شاركت الرجل في مجالات التنمية، وتبوَّأت أعلى المناصب في الداخل والخارج، فتميزت في العمل الدبلوماسي، وأصبحت قيادية ملهمة، ووزيرة، وسفيرة، تمثل الدولة في مختلف القضايا، وتفاوض، وتقرأ الأحداث والتطورات المستقبلية، وتملك خلفية ثقافية مشرّفة.
وإلى جانب كل هذا كان ولا يزال لها دور في مواقع العمل الوطني، فهي نائبة وقاضية ومديرة، وهي مشاركة في صنع التنمية وتطويرها ودفعها قُدماً في مختلف القطاعات. وقد أطلق الاتحاد النسائي العام منذ تأسيسه حزمةً من المشروعات والمبادرات التي كان لها أثر واضح في القفزة النوعيّة التي يشهدها ملف تمكين المرأة، ومن أهمها «الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة»، وكانت الإمارات أول دولة خليجيّة تطلق استراتيجية وطنية لتقدُّم المرأة، في عام 2002، ومن ثم تحديثها للمدَّة 2015-2021، لتكون من أهم أطر العمل المرجعية لمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، فضلاً عن كثير من المشروعات والمبادرات التي يضيق المقام عن ذكرها.
وها نحن نرى نتائج استثمار دولة الإمارات بتمكين المرأة في القطاع الصحي، فنرى الطبيبة والممرضة والإدارية يعملن إلى جانب الرجل، وتتزايد نسب السيدات العاملات في القطاع الصحي ازدياداً ملحوظاً، وقد تتجاوز النصف في بعض المؤسسات. وبرغم صعوبة التخصص وطول سنوات الدراسة، فإن ذلك لم يُمثّل عائقاً أمام المرأة، إذ نجد إقبالاً نسائيّاً كبيراً على كليات الطب في الدولة.
ومن واقع عملي في مجال التدريس بكلية الطب ألمس الطاقة والحماسة لدى الطالبات، فأدرك أن المستقبل يحمل في طيّاته كثيراً من الإنجازات في المجال الطبي. ما وصلت إليه المرأة الإماراتية اليوم لم يعزز دورها فقط، بل جعلها محوراً أساسيّاً في نجاح المؤسسات والمنظمات وتميزها، ولذا تُعَدّ تجربة تمكين المرأة في دولة الإمارات فارقة ومميزة، واستندت إلى الدستور الإماراتي بصفته المرجع الأساسي والضامن الأكبر لحقوقها.
وفي الختام أتوجّه بالشكر الجزيل إلى سمو أم الإمارات على دعمها المستمر للمرأة، وإسهامها في المجتمع، وهو ما نلمسه في جميع المجالات، كما أُوجّه رسالة إلى المرأة الإماراتية أقول فيها: أنا واثقة بأنّكِ قادرة على الوصول إلى أهدافك وطموحاتك، والإسهام في بناء مسيرة التنمية في الدولة، وأنتِ قادرة على العطاء وخدمة المجتمع أيّاً كان عملك، ولكنْ لا تنسَي نفسك وأنتِ في هذه الطريق، أعطيها حقها من الاهتمام، فلكي تستمري في العطاء ستحتاجين إلى صحتك وعافيتك، فلا تُهملي الصحة النفسية والجسدية، لتعينكِ على أداء دورك، وكوني مصدراً يُحتذَى ويُفخَر به، ويُلهِم نساء العالم أجمع.
سعادة الدكتورة/ فريدة الحوسني*
*المديرة التنفيذية لقطاع الأمراض المعدية في مركز أبوظبي للصحة العامة،